منطقة الخليج

ما الذي تبحث عنه روسيا في منطقة الخليج؟

السیاسة: بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا في الأشهر الأولى من عام 2022، ذهب العديد من المراقبين والمحللين الدوليين إلى أن الدول العربية في الخليج، ونظرا لعلاقاتها الوطيدة بالولايات المتحدة والدول الغربية، ستدين هذا الهجوم على الفور وتقف إلى جانب الجبهة الغربية.

لكن هذه التنبؤات لم تجد مدلولها على ارض الواقع. فاتخذت الدول الغنية في مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الصمت إلى حد كبير، وحتى الإمارات العربية المتحدة، وإلى جانب الصين والهند، امتنعت عن التصويت لصالح أمريكا التي طالبت بانسحاب القوات الروسية من أوكرانيا. إذ أظهر هذا التوجه أن الطاقة والمال والأمن أصبحت عوامل مهمة في العلاقات بين روسيا والدول العربية في الخليج، وان العلاقات الاقتصادية لهذه الدول مع موسكو تنطوي على علاقات أمنية وعسكرية.

في الجانب الآخر أي روسيا، تلعب المواجهة مع أمريكا واشتداد الخصومات والخلافات الجيوسياسية دورا مهما في زيادة اهتمام موسكو بالخليج. فهدف روسيا هو الحد من وجود ونفوذ أمريكا في مناطق مختلفة، بما في ذلك الخليج، وإنشاء تحالفات عسكرية جديدة مع دول هذه المنطقة. بناء على ذلك، يمكن تحديد المصالح والأهداف الرئيسية التي تؤدي إلى تركيز روسيا على لعب دور في منطقة الخليج في ثلاثة قضايا: المصالح الاقتصادية والأمنية والعسكرية.

المصالح الاقتصادية

من الناحية الاقتصادية، تتمتع منطقة الخليج بأهمية اقتصادية وجيوسياسية خاصة، مما يجعل هذه المنطقة مهمة للدول الكبرى، وخاصة روسيا التي تسعى للحفاظ على استقرار أسعار النفط. كما تعتبر هذه المنطقة سوقا مناسبا للمنتجات الصناعية والعسكرية الروسية واستقطاب الاستثمار في هذا البلد.

أصبحت الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي مهتمة بإقامة علاقات مع قوى أخرى خارج المنطقة مثل روسيا والصين وذلك بسبب تقليص مشاركة والتزامات الولايات المتحدة في المنطقة. وعليه، فإن قطاع الطاقة هو أحد المجالات الرئيسة التي تتلاقى فيها مصالح العرب وروسيا. يعتبر الكرملين، خاصة في الوضع الحالي، الذي يتعرض لضغوط وعقوبات بسبب إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، مجلس التعاون الخليجي، وخاصة المملكة العربية السعودية، ركيزة أساسية لتنظيم سوق الطاقة العالمية. كما تتعامل روسيا مع الأعضاء الآخرين في مجلس التعاون الخليجي في أسواق الطاقة.

على الرغم من المنافسة الواضحة بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي في مجال النفط والغاز، إلا أن هناك مساحة كافية للتعاون والتنسيق بينهما للحفاظ على التوازن في الأسواق العالمية بطريقة لا تؤدي إلى انخفاض كبير في الأسعار. لا يرتبط هذا الاتجاه فقط بحقبة الصراع الحالية في الحرب؛ في الواقع، تبحث روسيا عن مزيد من التعاون في مجال النفط والغاز مع مجلس التعاون الخليجي للتنافس مع النفط الصخري الأمريكي. وفي هذا السياق، وقعت روسيا ومجلس التعاون الخليجي في عام 2019 ميثاق تعاون داخل أوبك +، سعى إلى تشكيل “شراكة نفطية واسعة النطاق تهدف إلى ربط استراتيجيات الإنتاج لتحقيق أهداف اقتصادية مشتركة”.

مصدر مهم للاستثمار

تعتبر روسيا مجلس التعاون الخليجي أحد أهم مصادر الاستثمار في اقتصادها، وتتم هذه الاستثمارات في مختلف الشركات التجارية والزراعية والبنية التحتية. منذ عام 2014، احتلت قطر المرتبة الأولى في التعاون مع روسيا باستثمارات بلغت 13 مليار دولار. كما بلغ حجم استثمارات المملكة العربية السعودية في روسيا أكثر من ملياري ونصف مليار دولار، واستثمرت الإمارات والكويت أقل من مليار دولار لكل منهما في هذا البلد.

إلى جانب هذا فقد نمت العلاقات الاقتصادية بين أبو ظبي وموسكو بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وشملت مجالات جديدة مثل الطاقة المتجددة والتقنيات الجديدة. تنشط أكثر من 4000 شركة روسية في قطاعات الإسكان، والصناعة، والأغذية، والبنية التحتية، والموانئ، والبتروكيماويات في الإمارات العربية المتحدة، كما تشكل 55٪ من التبادلات التجارية الروسية مع الإمارات العربية المتحدة من مجموع التبادلات مع دول مجلس التعاون. بناء على ذلك، ينبع نهج روسيا تجاه مجلس التعاون الخليجي من عامل اقتصادي محدد من أجل تعزيز مكانة روسيا في الاقتصاد العالمي من خلال سوق الخليج، ويعد توسيع العلاقات مع مجلس التعاون الخليجي ركيزة أساسية في السياسة الخارجية لروسيا.

موازنة الأمن

وفي المجال العسكري الأمني​​، زادت روسيا علاقاتها مع دول هذه المنطقة منذ سنوات بسبب اشتداد التطورات الأمنية والعسكرية في منطقة غرب آسيا، خاصة منذ الهجوم الأمريكي على أفغانستان والعراق. في السنوات الأخيرة، وخاصة منذ أن ركزت الولايات المتحدة جزءا من اهتمامها على احتواء الصين، تحاول روسيا ملء الفراغ المتمثل في تفوق القوة العسكرية في غرب آسيا والخليج. بالطبع، بالنظر إلى رغبة جمهورية إيران الإسلامية في تقليص الوجود العسكري للولايات المتحدة والقوى الغربية في الخليج، اغتنمت روسيا هذه الفرصة وتحاول أن تكون حاضرة في الخليج كقوة إقليمية متفوقة من خلال التعاون مع إيران. على الرغم من أن روسيا لم تحد من فرصه في التعاون مع إيران وحيثما كان ذلك ضروريا، يمكنها أيضا الدخول في صفقات ومفاوضات مع منافسي إيران الإقليميين.

في هذه السنوات، استخدم بوتين أوراق روسيا الرابحة لإحياء دورها في الخليج، في مختلف المجالات، وخاصة سوق السلاح. من وجهة نظر السلطات الروسية، يمكن لهذا البلد أن يلعب دورا مهما في خلق توازن القوى والأمن الإقليمي في منطقة الخليج، وبسبب علاقاته القوية مع إيران وفي نفس الوقت علاقاته المستمرة مع مجلس التعاون الخليجي، لديه القدرة على لعب دور رئيس في دعم توفير الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة.

بيع وشراء الأسلحة

تعد روسيا ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة. تستحوذ هذه الدولة على 18٪ من إجمالي حجم واردات دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للأسلحة، وفي السنوات الأخيرة، وسعيا منها لاستعادة نفوذها في المنطقة، وسعت نطاق بيع الأسلحة إلى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج. بالنسبة لدول هذه المنطقة، فإن الحصول على أسلحة روسية أمر مثير للاهتمام؛ لأن هذا يسمح لهم بتنويع مصادر توريد الأسلحة الخاصة بهم وبالتالي يصبحون أقل اعتمادا على موردي الأسلحة الغربيين. يمكّن هذا الاتجاه روسيا من التنافس مع موردي الأسلحة الآخرين المعروفين مثل الولايات المتحدة وفرنسا.

في هذه الحالة، تبذل روسيا جهودا متواصلة لدخول سوق السلاح في منطقة غرب آسيا، وخاصة منطقة الخليج. فالمملكة العربية السعودية شريك محتمل في تطوير التعاون في صناعة الدفاع وتوريد الأسلحة من روسيا. في فبراير 2017، وقع البلدان اتفاقية الإنتاج المشترك للبنادق الآلية (AK-103) وذخائر الأسلحة الصغيرة. أما الإمارات العربية المتحدة هي المشتري الرئيس للأسلحة الروسية في منطقة الخليج. ففي عام 2017، وقعت هذه الدولة عقدا كبيرا مع روسيا لشراء مقاتلات سوخو 35، والتي تعد من بين المقاتلات الأكثر تقدما في العالم. 

وفي فبراير 2021، أقامت روسيا معرضا عسكريا في أبو ظبي، حيث قدمت 400 نموذجا من منتجاتها العسكرية. وعلى هامش هذا المعرض، تم توقيع عقود بيع 100 طائرة هليكوبتر و100 طائرة مسيرة للإمارات. يعتبر عقد اتفاقيات لبيع طائرات سوخو 35 المقاتلة إلى جمهورية إيران الإسلامية، والذي يقال إنه يتم مقابل تلقي أنواع مختلفة من طائرات الاستطلاع وطائرات بدون طيار من إيران، من أكثر الصفقات العسكرية إثارة للجدل بين روسيا ودول الخليج؛ على الرغم من أن المسئولين الإيرانيين أكدوا مرارا ان بيع هذه الطائرات بدون طيار لروسيا كان قبل بدء الحرب في أوكرانيا.

بشكل عام، يمكن تفسير رغبة روسيا في أن تكون حاضرة وان تلعب دورا فعالا في الخليج في مختلف الأبعاد والمجالات، في الحد من تداعيات الحرب في أوكرانيا وضمن المنظور الأوسع لهذا البلد لزيادة شبكة المصالح والعلاقات في مجالات النفوذ الجيوسياسية والتنافس مع أمريكا والدول الغربية وخلق توازن بين القوى العالمية.

المصدر: موقع ديبلماسي إيراني

المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

شاهد أيضاً

اتفاقية أوسلو

اتفاقية أوسلو وحصادها

السیاسة – شفقنا: الاتفاق الانتقالي بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة الشهير باتفاق اوسلو 2 أو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.