المسلمون في بريطانيا ومواجهة تعليم الجنس في المدارس

لا يختلف إثنان على وجود تحديات كبيرة تواجه الأسرة المسلمة في بريطانيا؛ وقد ازادت هذه التحديات وارتفعت نسبة خطورتها عندما تمت مراجعة وتحديث القانون المتعلق بتدريس مادة الجنس ومادة العلاقات في عام 2019 من قبل الحكومة البريطانية.

والقانون الجديد يفرض تعليم هاتين المادتين  من سن أربع سنوات، أي منذ نعومة أظفار الطفل وهو في سن الروضة.

ولا يشكك أحد بأن التعليم يشكل رافداً مهماً في بناء شخصية الطفل المستقبلية في المجتمع جنباً إلى جنب مع البيئة المحيطة بالطفل؛ من أبوين وأفراد أسرة ممتدة ومجتمع محلي يعيش فيه الطفل.

ويتسم موضوع تعليم الجنس في هذه السن المبكرة بالحساسية؛ فكيف لأسر تنتمي لشريعة سماوية شاملة وأصول الأغلبية العظمى منها نابعة من بيئات محافظة أن تتقبل فكرة تعليم هذا المحتوى لأبنائها من هذا العمر الصغير.

وكيف لها أن تمتلك أدوات وأساليب تمكنها من التقليل من الضرر الواقع قسريا على الطفل في مجتمع غربي متقدم ومنفتح كالمجتمع البريطاني.

أول نقطة يجب  علينا أن نعيها هنا باعتبارنا مربين أنه  لابد لنا من أن ننطلق بتعاملنا مع هذا الموضوع من المعيار القانوني. والمعيار القانوني يسمى بـــــــ (القاعدة التحكمية) أي القاعدة التي يفرضها القانون دون الحاجة لتبرير.

فقانون التعليم الذي تم تحديثه وإقراره في 2019، قد أقر بالفعل إلزامية تدريس هاتين المادتين، ولكنه في ذات الوقت  ألزم المدارس بعقد جلسة استشارة مع الأهل، بحيث تشرح لهم المدرسة من خلالها طبيعة المادة كاملة وتجيب عن جميع تساؤلاتهم وتطلعهم على محتوى المادتين بالتفصيل الممل.

ومن الجدير بالذكر أن تطبيق القانون قد تم تأجيله حتى أبريل 2021 تحت ضغط العديد من مؤسسات المجتمع المدني والحملات والعرائض التي قدمت للحكومة، ومن خلال الضغط على أعضاء البرلمان بمراسلتهم وبتأثير من العديد من النشطاء الذين يقومون بواجب توعية الأهل بحقوقهم، في هذا الأمر وبخطورة المنهاج الجديد على عقول أبنائهم.

تعليم المواد الجنسية في المدارس البريطانية
إذن من واجبنا بصفتنا مربين أن نطلع على المحتوى الذي سيقدم في المدارس؛ وأن نسارع آباءً وأمهات،بالمطالبة بعقد جلسة الاستشارة هذه، ونلقي نظرة متفحصة ومتمعنة فيما سيتم تدريسه لأبنائنا.

وإذا ما وجدنا ما يختلف مع معتقدنا نقوم بمناقشة جزئيات وحيثيات وجهة نظرنا بطريقة إيجابية وبناءة، وباستخدام الأدلة والبراهين العلمية الموجودة بكثرة.

فأسلوب النقاش الهادئ والمتزن والمبني على أسس منهجية وحقائق علمية هو ما يجب إتباعه خلال النقاش مع المدرسة، فالمدارس الإنجليزية تحرص كل الحرص على دمج الطفل في مجتمعه الحالي، وتؤسس لبنائه فردا بريطانيا، ينتمي إلى المجتمع  وتؤهله أن يصبح إنسانا منتجا.

وهذا الأمر لا يتنافى أبدا أويتناقض أبدا مع دورنا بصفتنا أسرة مسلمة في الغرب، فهذا ما حثنا عليه دينا، وهو القضية الأولى في الإسلام.

فدين الإسلام في جميع مفاهيمه يؤسس لقاعدة تربوية راسخة وثابتة مهما اختلفت الأزمان وتغيرت الظروف؛ ألا وهي تنشئة الفرد المسلم الصالح مع نفسه والمصلح لما حوله.

وبتعبير الحداثة المعاصرة يمكننا القول إن الإسلام يسعى لصناعة الفرد المنتج والنافع لنفسه ولمن حوله.

أما النقطة الأخرى التي ينبغي علينا بصفتنا مربين أن ننتبه إليها وهي في غاية الأهمية، أن مادة التربية الجنسية، والعلاقات سابقا، أو مادة الجنس ومادة العلاقات حاليا، قد اختلف المقصد من تدريسها اختلافا جذريا في الوقت الراهن.

فبعد أن كانت تعد هذه المادة وسيلة تثقيفية لوقاية الطفل من التحرش الجنسي من خلال شرح بعض المفاهيم عن الثقافة الجنسية وتطورات الجسد وتقبل هذه التغيرات والحفاظ على النظافة الشخصية وغيرها من العناوين.

أصبحت هذه المادة الآن تشجع الطفل وتدفعه نحو التفكير في الجنس في سن مبكرة جدا من حياته العمرية. فتعريض الطفل وتدريسه المفاهيم التي تحتويها المادة في سن مبكرة جدا، مثل سنِ الأربعِ السنوات، يشكل خطرا يجب أن ننتبه إليه ونعيه بصفتنا مربين.

فحقائق علم النفس بشكل عام والتربوي منه بشكل خاص، تنص على أن العقل في بداية تلقيه للمعلومات لا يتمكن من محاكمتها وتمييز ما هو نافع وما هو ضار منها، أو ما هو صواب وما هو خطأ، بل يقوم دماغ الطفل باستقبال المعلومات ويخزنها كما هي؛ بحيث تصبح لديه مسلماتٍ سيحاكم جميع المعلومات الإحقة بالاستناد إليها.

ولذلك وجب التنبيه من خطورة ما قد يتم بثه في هذه المناهج، من مفاهيم جنسية وأخلاقية، قد تتنافى مع رغبة الأهل ومع البيئة التي ينتمي إليها  الطفل  في الأساس، وتتنافى كذلك مع الدين الذي يؤمن به.

فإيصال رسائل مضادة في هذه السن المبكرة، قد يشكل اضطرابا لدى الطفل في تقبل المفاهيم التي نسعى باعتبارنا مربين، لغرسها فيه وتنشأته عليها.

لذلك ماننصح به هنا ضرورة، هو  غرس المفاهيم الواضحة لدى الطفل في هذا الموضوع في البيت أولا قد أن يستقيها عقله الصغير من المدرسة.

وهنا نستذكر قول الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام  “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..” إلى آخر الحديث. فمسؤوليتنا بصفتنا أمهات وآباء ومربين في الغربة، هي أن نحافظ على هذه الأمانة التي حبانا الله تعالى بها وكلفنا بتربيتها وتنشئتها التنشئة الصحيحة والقويمة ما مكننا الله سبحانه وتعالى لذلك.

وقد يتساءل البعض كيف لنا أن نقوم بهذا الدور، والإجابة تكمن في شمولية هذا الدين، وأنه قد عالج جميع مناحي الحياة عامة والخاصة منها تحديدا.

والشريعة الإسلامية مليئة النصوص التي تتحدث في موضوع التربية الجنسية بشكل صحي ولائق، وما يحتاجه الأهل هو الإطلاع والبحث والقراءة في هذا المجال، حتى يسلحوا أنفسهم ويحموا أبناءهم من أثر هذا النمط من التعليم.

ويجب أن ننبه في النهاية إلى أن حق الأهل في عقد جلسة الاستشارة مع المدرسة هو حق قانوني قد كفله القانون البريطاني للأهل، حتى بداية شهر أبريل من العام القادم 2021، وبعد هذا التاريخ يعتبر هذا الحق لاغيا أو منتهيا أي لا يمكن ممارسته. لذلك نحث جميع أولياء الأمور في بريطانياعلى ممارسة حقهم وحق أبنائهم في هذا الأمر الضروري والهام.

 

المصدر: الجزيرة نت

شاهد أيضاً

داعش خراسان

داعش خراسان.. أضعف مما تبدو للعلن

السياسة – شفقنا العربي: منذ العملية الانتحارية التي استهدفت مطار كابول الدولي في أغسطس عام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *