ماذا لو لم يخرج الحسين؟

لو سلّمنا جدلاً أنّ موضوعنا عقلانيٌّ بعيدٌ عن الفضاءات الإلهيّة الميتافيزيقيّة، بمنأى عن الانتماءات الدينيّة العَقَديّة، خارج الحدود الديموغرافيّة الأثنية، فوق الاعتبارات الزمكانيّة.. أنّ موضوعنا سؤالٌ معرفيٌّ منحصرٌ في استفهامٍ واحد يفتقر إجابةً لابدّ أن تستوفي حقّها العلمي بلا زيادة ولا نقصان:

ماذا لو لم يخرج الحسين؟ يعني ذلك لم تكن كربلاء ولم يكن الطفّ وأحداثه الشهيرة.
إذن كيف يبدو حال العالَم؟ كيف تبدو القيم والمبادئ والأخلاق؟ كيف يبدو حال الفكر والنصّ- أيّ نصّ- قراءةً ومراجعةً ومقارنةً واستقراءً ودلالةً وتأويلاً ومعالجةً واستنتاجاً واستنباطاً؟ هل تترامى آفاق العقل الثاني، أو ما يسمّى بالأخلاق والحكمة العمليّة، فتكون كما تبدو عليه الآن؟
هل تعجّ الأجواء الاُصوليّة الفقهيّة العَقَديّة، الحوزات والمدارس والمراكز والمؤسّسات والمعاهد الدينيّة والعلميّة والثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والفنّيّة، فتكون كما تبدو عليه الآن؟
هل تظلّ نظريّة “مبدأ العلّيّة ” مهيمنةً على فكر النهضة ولا تنحسر إزاء تألّق نظريّة “الاحتمال ” التي تنكر ألوهية الطبيعة وتنادي بإله فوقها وفوق علّيّتها؟
هل يرقى الحبّ والعشق بشتّى مراحله ومنازله ودرجاته وترقى إنسانيّة الإنسان، أم تبقى تراوح مكانها دون ازدهار؟
تساؤلاتٌ اُثيرت على سبيل الإشارة لا الحصر، بإزائها تساؤلات اُخر بالاتّجاه المعاكس مفادها مثالاً: ما أثر خروج الحسين على كلّ الفضاءات والمضامير المذكورة؟
هنا نجد “المقارنة ” تفرض حضوراً جدّيّاً فاعلاً، المقارنة بين خروج الحسين وافتراض عدمه، وليس بخافٍ على الكثير كون ”المقارنة” من أساسيّات البحوث العقلانيّة.. وهكذا افترضنا البحث عقلانيّاً بامتياز كي ننأى به عن جميع الشبهات والافتراءات والتضليلات.
بعبارةٍ اُخرى: يكون سؤال “خروج الحسين وافتراض عدمه” والآثار المترتّبة عليه نفياً وإثباتاً، بالمقارنة المعرفيّة العلميّة، من صلب سؤال الحياة الكبير: من أين، في أين، إلى أين؟
لاشكّ أنّنا لا نستطيع إفراغ الحياة والتاريخ والحقيقة والثقافة والأخلاق والأحاسيس من قضايا ومحتويات واقعيّة، من شيء اسمه  “الحسين” من شيء اسمه “خروج الحسين” ومقتله في أرضٍ يقال لها: كربلاء من شيء اسمه “خلود الحسين”، حتى يومنا الحاضر على أدنى تقدير عقلاني، بهذا الحجم والمساحة والحضور الهائل الفاعل.
حينئذٍ تكون المقارنة العقلانيّة بين خروج الحسين وعدمه في أرقى مصاديقها وأرفع تفاعلاتها، فتعطي بذلك انطباعاً بديهيّاً بغنى النتائج التي تُظهِر البون الكبير بين الوجود والعدم، بين خروج الحسين وآثاره على العالم والبشريّة، وعدم خروجه وآثاره عليهم.
لو تجرّدنا افتراضاً عن كلّ أمر فإنّنا لا يمكن أن نتجرّد عن كوننا جميعاً إنّما نحيي بالحسين تبادراً: الإصلاح، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الإيثار، الحبّ، السلام.. فهل تريد الإنسانيّة أكثر من ذلك، وهل تخلّد سواه؟!
إنّ سكون دمُ الحسين الخلدَ لم يكن اعتباطاً ولم يأت من فراغ، إنّه عصارة المنهج الذي يستقي مضامينه وأدواته من قيمٍ واُصول وقواعد تؤمن بالدليل والمنطق والحوار، فلا تنفي الآخر ولا تحذفه، تسعى بكلمتها بلا ترويع وتحريف، تجهد أن تقود حيث مراتع الهداية والنجاة والفلاح.
إذن خرج الحسين لأنّه كان لابدّ أن يفعل ذلك، كان لابدّ أن يعيد الاُمور إلى نصابها الصحيح، وعلى أدنى تأثير فإنّه استطاع إنقاذ الذاكرة البشريّة من إغماء غير معلوم المدى قبال الظلم والفساد المستشري، تمكّن من إشعال شمعة في دروب الحرّية والعدل والتغيير، الشمعة التي تبقى متّقدة أبداً مهما اجتمع ظلام العالَم قاصداً إطفائها.
خرج الحسين فسكن القلوب وأثار العقول، لسبب بسيط مفاده: الإخلاص. فلو لم يخرج الحسين لكان حال العالَم أسوأ بكثيرٍ ممّا هو عليه الآن.

 

كريم الأنصاري

المصدر: https://ar.shafaqna.com/AR/196911/

شاهد أيضاً

ثقافة الثورة عند الإمام الحسين عليه السلام

  قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.