بكاء آرموند رونو على الحسين..والسفه اليزيدولوجي

إدريس هاني
ليس لألم الحسين حدود..فهو يسكن في كلّ جرح ويتدفق كشلاّل حزن عبر القصيد..وليس ذاك مما انطوى عليه الرثاء عربيّا فحسب..فالوجع الحسيني كونيّ فلا تخطئ النّظر وتستكثر على اليتامى هذا الأنين..فلو كان الحسين لهم لأحاطوه بأسوار من دموع، ولأقاموا له في كلّ صقع مدرسة للنحيب..واعلم حينئذ أن البكاء حنين لطفولة المشاعر في ذروة التمحّض والوفاء..أيتام غدوا بفقد حسين والحزن والأرق..

سآخذك أيّها الأعرابي المتنكّر للمشاعر والتّاريخ والشعر إلى حيث أرموند رونو(Armand Renaud)..

شاعر نبت في فرساي في بداية القرن التاسع عشر..يقدّم أرمان صورة تشخيصية عن المأساة..يصف الجريمة في ذهول..مشهد لا تهضمه مشاعر شاعر من الفرنجة..يذكره وهو الغريب عن مغنمنا ومغرمنا..

ليس الحسين سوى حلقة أكثر وضوحا في العنف في مسلسل من الشهادة ، يقول الشاعر:

بعد أبيه..بعد أخيه كلاهما قضى شهيدا ومقدّسا …

هل أدرك شاعر فرساي قولة لئيم : أنه قضى بسيف جدّه..أو شرع جدّه..أو شيئا من هذا السّفه اليزيدولوجي؟..فتشوا عن كلّ استعارة لن تخرجكم من الجرم المشهود..شاعر فرساي لم يق ما قاله البعض…

والشّاعر هنا يدرك بالحسّ الجمعي الموزّع بالسوية بين الأسوياء من بني البشر أنّ القاتل سفّاح: تحت حكم التعسّف.. قضى بأيدي السّفّاحين هي ليست حربا متكافئة..هي جريمة وإبادة..

أظهر الحسين في زمن مبكّر أنّ السياسة تتحوّل من وقاحة الى عنصر إهانة..ولقد أسمعهم إيّاها وهو يمتطي فرسه: هيهات منّا الذّلّة..لم يكن معه جيش عرمرم، بل كان معه أهله وذووه: كان معه ستون من ذويه، وخلف ربوة أخفى أطفاله ونساءه وفي مقابل ذلك، كان عديد العدوّ مقدار ما يفتح الديلم..

فالحسين بات مقدّما لفي سلّم أولوية اثّأرعلى معركة الروم..الحسين هو العدو أوّلا..وقد نادى في القوم اتركوا لي مسلكا نحو إحدى الثغور..أراد أن يكون مواطنا فقط وحرّا، غير أنّ الدعيّ ابن الدّعي كان قد ركز بين السّلة والذّلة..

يقول الشاعر: عشرة آلاف هم العدو تحت سماء من نار، لا شيء يشرب عشرة أيّام، والمشهد يجري تحت سمع وبصر العالم ربح الرجال المجد الأطفال يطلبون الماء أخيرا، سقط الحسين مقطّعا يتعذّر التعرف عليه ،شربت دمه الرّمال في صحراء كربلاء.

لم يكن أرمان رونو حتما من بني أسد، ولا محترف نعيّ ولا صفويّا ولا هو شاعر في زمن الغواية الطّائفية..ولا كلّ شيء من هذا الزعيق المتحامل..هو شاعر إنسان..يؤكّد على أنّ الحسين تنعاه محاجر القصيد في كلّ بلاد..لقد عبّر عن ألمه وصوّر المشهد كقطعة حزن بمشاعر فرنسية: كذلك منذ الفجر تنوح البهائم في الغابات ومن السماء تنزل قطرات من مطر فوق رؤوسنا مرّة كالملح ،ليست صورة الحسين طريحا على رمال الطفوف تنتهي عند البكاء، بل هي ميثاق غليظ ضدّ الجريمة يكتب بمداد الدموع..

هذه حادثة برزت فيها الكرامة كلها للاستكبار كلّه..دفع الحسين ثمن الثّأر ومضى شامخا حرّا أبيّا..لشدّ ما نحن أمام مشهد غاية في النبل..أي عشق ذاك يقود السّبط لكي يقدم نفسه وأهله قربانا للكرامة..أما أرمان رونو فقد عبّر عن غبطته القصوى وهو يتأمّل مسيرة الحسين الشّامخة بعشق فوق جمر من عذاب.. لست أبكي بل أغبط ذاك الذي من أجل محبّة الرّب سار في العذاب واهبا حياته في صحراء كربلاء .

(ملاحظة): حاولت ترجمة المعنى إلى العربية ولم أتكلّف التقيد بضرورات الترجمة الشعرية التي تراعي المعادل أو البديل على مستوى الوزن والتفعيلة..لذا أضع النص الأصلي هنا للاستفادة:

Après son père, après son frère, Tous deux martyrs et saints, Sous le règne de l’arbitraire, fut tué par les assassins. Les siens étaient soixante-douze. Derrière un tertre il avait mis Ses jeunes enfants, son épouse. Dix mille étaient les ennemis. Sous un ciel de feu, rien à boire. Dix jours, le monde eut ce tableau. Les eser y gagnaient la gloire. Les enfants demandaient de l’eau. Enfin, haché, méconnaissable, Hussaïn à terre roula. Et le sang fut bu par le sable Dans le esert de Kerbéla. Aussi, depuis l’aube, les bêtes Pleurent dans les bois ; et du ciel Les gouttes tombant sur nos têtes, sont amères comme le sel. Seul, je ne pleure pas, j’envie Celui qui pour l’amour d’Allah, Vint souffrir et donner sa vie Dans le esert de Kerbéla.

المصدر:كتابات في الميزان

شاهد أيضاً

ثقافة الثورة عند الإمام الحسين عليه السلام

  قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.