ما هو سر الاختلاف في تشخيص هوية المنقذ العالمي؟

إذا اختلفت الأديان بل الفرق والمذاهب المتشعبة عنها في تحديد هوية المصلح العالمي رغم اتفاقهم على حتمية ظهوره وعلى غيبته قبل عودته الظاهرة، فما هو سر هذا الاختلاف؟

يعتبر الإيمان بحتمية ظهور المصلح الديني العالمي وإقامة الدولة الإلهية العادلة في كلّ الأرض من نقاط الإشتراك البارزة بين جميع الأديان، والاختلاف فيما بينها إنّما هو في تحديد هوية هذا المصلح الديني العالمي الذي يحقق جميع أهداف الأنبياء (عليهم السلام(.

وقد استعرض الدكتور محمّد مهدي خان في الأبواب الستة الاُولى من كتابه «مفتاح باب الأبواب» آراء الأديان الستة المعروفة بشأن ظهور النبيّ الخاتم(صلى الله عليه وآله) ثم بشأن المصلح العالمي المنتظر وبيّن أنّ كلَّ دين منها بشّر بمجيء هذا المصلح الإلهي في المستقبل، أو في آخر الزمان ليصلح العالم وينهي الظلم والشرّ، ويحقق السعادة المنشودة للمجتمع البشري(1). كما تحدث عن ذلك الميرزا محمّد الإسترابادي في كتابه «ذخيرة الأبواب» بشكل تفصيلي، ونقل طرفاً من نصوص وبشارات الكثير من الكتب السماوية لمختلف الأقوام بشأنه.

وهذه الحقيقة من الواضحات التي أقرَّ بها كلّ مَن درس عقيدة المصلح العالمي حتى الذين أنكروا صحتها، أو شككوا فيها كبعض المستشرقين مثل جولد تسيهر المجري في كتابه «العقيدة والشريعة في الإسلام»(2)، فاعترفوا بأنها عقيدة عريقة للغاية في التاريخ الديني وجدت حتى في القديم من كتب ديانات المصريين والصينيين والمغول والبوذيين والمجوس والهنود والأحباش فضلاً عن الديانات الكبرى الثلاث: اليهودية والنصرانية والإسلامية(3).

إذن الإجماع قائم في الأديان السماوية على حتمية اليوم الموعود، وكما قال العلاّمة المتتبع آية الله السيّد المرعشي النجفي في مقدمة الجزء الثالث عشر من «إحقاق الحقّ»: قال «وليعلم أنّ الأُمم والمذاهب والأديان اتفقت كلمتهم ـ إلاّ من شذ وندر ـ على مجيء مصلح سماوي إلهي ملكوتي لإصلاح ما فسد من العالم وإزاحة ما يُرى من الظلم والفساد فيه وإنارة ما غشيه من الظلم، غاية الأمر إنه اختلفت كلمتهم بين من يراه عُزيراً، وبين مَن يراه مسيحاً، ومن يراه خليلاً، ومَن يراه ـ من المسلمين ـ من نسل الإمام مولانا أبي محمّد الحسن السبط ومَن يراه من نسل الإمام مولانا أبي عبد الله الحسين السبط الشهيد…”.

وإذا اختلفت الأديان بل الفرق والمذاهب المتشعبة عنها في تحديد هوية المصلح العالمي رغم اتفاقهم على حتمية ظهوره وعلى غيبته قبل عودته الظاهرة، فما هو سر هذا الاختلاف؟

يبدو أنّ سبب هذا الاختلاف يرجع الى تفسير النصوص والبشارات السماوية وتأويلها استناداً الى عوامل خارجة عنها وليس الى تصريحات أو إشارات في النصوص نفسها، وإلى التأثر العاطفي برموز معروفة لأتباع كلّ دين أو فرقة وتطبيق النصوص عليها ولو بالتأويل، بمعنى أنّ تحديد هوية المصلح الموعود لا ينطلق من النصوص والبشارات ذاتها بل ينطلق من انتخاب شخصية من الخارج ومحاولة تطبيق النصوص عليها. يُضاف الى ذلك عوامل أُخرى سياسية كثيرة لسنا هنا بصدد الحديث عنها، ومعظمها واضحٌ معروف فيما يرتبط بالأديان السابقة وفيما يرتبط بالفرق الإسلامية، ومحورها العام هو: إنّ الإقرار بما تحدده النصوص والبشارات السماوية ينسف قناعات لدى تلك الأديان وهذه الفرق يسلبها مبرر بقائها الاستقلالي، ومسوغ إصرارها على عقائدها السالفة.

أما بالنسبة للعامل الأوّل فنقول: إنّ النصوص والبشارات السماوية وأحاديث الأنبياء وأوصيائهم (عليهم السلام) بشأن المصلح العالمي تتحدث عن قضية ذات طابع غيبي وشخصية مستقبلية وعن دور تاريخي كبير يحقق أعظم إنجاز للبشرية على مدى تأريخها ويحقق في اليوم الموعود أسمى طموحاتها، والإنسان بطبعه ميال لتجسيد القضايا الغيبية في مصاديق ملموسة يحس بها، هذا من جهة، ومن جهة أُخرى فكل قوم يتعصبون لشريعتهم ورموزهم وما ينتمون إليه ويميلون إلى أن يكون صاحب هذا الدور التاريخي منهم.

لذا كان من الطبيعي أن يقع الاختلاف في تحديد هوية المصلح العالمي، لأنّ من الطبيعي أن يسعى أتباع كلّ دين الى اختيار مصداق للشخصية الغيبية المستقبلية التي تتحدث عنها النصوص والبشارات الثابتة في مراجعهم المعتبرة والمعتمدة عندهم ممن يعرفون ويحبون من زعمائهم، يدفعهم لذلك التعصب الشعوري أو اللاشعوري لشريعتهم، ورموزها، والرغبة الطبيعية العارمة في أن يكون لهم افتخار تحقق ذاك الدور التاريخي على يد شخصية تنتمي إليهم أو ينتمون إليها.

الهوامش:

(1) نقله عنه آية الله المرعشي النجفي في كتابه «ملحقات إحقاق الحقّ» 29: 621 ـ 622 ونقله عنه أيضاً آقابزرك الطهراني في كتابه «الذريعة الى تصانيف الشيعة» 21: 319/5267 قال: «(مفتاح باب الأبواب) في تاريخ البابية، مختصر كالفهرس لباب الأبواب في بيان مبدأهم وشرح عقائدهم، للميرزا مهدي خان الدكتور بن الميرزا محمّد تقي بن جعفر الأمير الملقب بزعيم الدولة، صاحب جريدة الحكمة نزيل مصر ـ القاهرة والمتوفى سنة (1333 هـ ) طبع سنة (1321 هـ )، ابتدأ بذكر أنواع الديانات السبعة: (المسلمون، النصارى، اليهود، المجوس، البوذية، البرهمنية، الشفتية) واتفاقهم على المعهود، والبشارة بإتيان أنّ موعود مكمل للدين”.

(2)العقيدة والشريعة في الإسلام : 218 حيث وصفها بأنها من الأساطير ذات الجذور غير الإسلامية لكنه لم ينكر اتفاق كلمة الأديان عليهاوأنكرها أيضاً المستشرق رونلدسن في كتابه «عقيدة الشيعة»: 231، والمستشرق فان فلوتن في كتابه «السيادة العربية»: 110 ـ 116، وتابعهم بعض المتأثرين بهم من المسلمين أمثال أحمد أمينومحمّد فريد وجدي، والسائح الليبي وغيرهم، راجع المزيد في ذلك دفاع عن الكافي للسيّد العميدي: 206 وما بعدها.

(3) راجع أيضاً الإمامة وقائم القيامة للدكتور مصطفى غالب : 270 ـ 272، المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي، ثامر العميدي: 12 ـ 13، الإمام المهدي في الكتب السابقة، محمّد رضا حكيمي: 52 ـ 57 .

المصدر: رواق الحجاج

شاهد أيضاً

غیبة لابدّ منها

غیبة مهدی هذه الامة غیبة لابدّ منها، لانه مهدی هذه الامة، ولان وعد الله سبحانه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.