مشهد رأس الحسین علیه‌السلام فی القاهرة

كتب الصحفي المصري المعروف الدكتور نبيل شرف الدين في شبكة هجر الثقافة بتاريخ 4 / 5 / 2000 م موضوعاً بعنوان (المشهد الحسيني في القاهرة) قال فيه:
على باب ضريح الإمام الحسين في القاهرة لوحة رخامية كبيرة كتب عليها بالذهب الحديث النبوي الشريف: الحسن والحسين مني… من أحبهما أحببته، ومن أبغضهما أبغضته…

وداخل المسجد أكبر ثريا «نجفة» في العالم العربي (كما يؤكّد إمام المسجد)، وهي للحق آية الجمال والبهاء، ووزنها (كما هو مثبت في دليل تاريخ الضريح وصاحبه) يصل إلى خمسة أطنان من الكريستال المحلّى بالذهب الخالص، وقوائمها من الفضة الخالصة.

أمّا السجاد فحدث ولا حرج، فقد تبرع العام الماضي أحد كبار التجار من طائفة البهرة (الذين يقيمون حول الضريح) بسجادة فارسية تعود إلى القرن العاشر الميلادي، وحجمها يبلغ 16 متراً مربعاً، وهي من الحرير الخالص، وقد فرشت في المقام (الضريح) الذي يقع في الجانب الشرقي داخل المسجد.. ويعقد داخل المسجد يومياً أكثر من خمسمائة عقد قران تصل أيام الخميس والجمعة إلى الألف، حيث يحرص آلاف المصريين على عقد قرانهم داخل المسجد الحسيني، وبعضهم يأتي من مدن مصرية بعيدة قد تبتعد عن القاهرة أكثر من سبعمائة كيلومتراً.

للحسين، ومسجده، وضريحه، ومشهده منزلة خاصة في نفوس المصريين (السنة) .

وفي شهر رمضان يستحيل على المرء أن يجد موضعاً لقدم في هذا الميدان المعروف بالمشهد الحسيني. واسألوا الدكتور جمال الصباغ كيف كان يسير هناك حينماتقابلنا في رمضان أنا وهو والأخ حازم محرز… باعة لكل شيء. من المصوغات الذهبية إلى التحف اليدوية… مكتبات ضخمة… مقاهي شديدة الجمال… مطاعم شهيرة… حلقات ذكر… ندوات دينية وأُخرى ثقافية… مواكب زواج… سياح أجانب يقفون مذهولين لروحة المكان وتلك الأعداد الغفيرة من الزوار…

كلّ هذا في كفة… و «مجاذيب الحسين» في كفة أُخرى، فهناك حول الضريح تجد عشرات ممّن ارتدوا «الخرقة الصوفية» وتركوا بيوتهم وأعمالهم واستأنسوا بالحسين، أقاموا حول الضريح يلتحفون السماء ويفترشون الأرض، يأكلون ما يجود عليهم به أهل الخير (وما أكثرهم هناك) ويصلّون الصلوات الخمس في المسجد.

في رمضان لست مضطراً لأن تدفع نقوداً لكي تفطر إذا ما كنت في ميدان الحسين، فأهل الخير يحملون آلاف الوجبات ويقدّمونها مجاناً للصائمين وعابري السبيل. وفي كلّ شهور السنة يحرص الكثير من الأغنياء على توزيع زكواتهم وصدقاتهم على الناس حول الضريح.

أمّا في صلاة العيدين فحدث ولا حرج. تغسل الأرض والله العظيم غسلاً لا تكاد تميز بين عامل النظافة الموظف رسمياً لهذا الغرض، وبين مئات الشباب والشيب الذين يشمرون عن سواعدهم ويحملون «المقشات» ليكنسوا الميدان، بعضهم أطباء ومهندسون وضباط وأساتذة جامعات وتجار أثرياء. كلّهم يعتقدون أن الله تعالى سيبارك الميدان لهم عندما يتواضعون ويكنسون الميدان ويرشون الماء.

في الفجر يحضر الموكب الرسمي لرئيس الجمهورية ومعه كلّ الوزراء وشيخ الأزهر، ويحظر سير السيارات في هذا الميدان وكافة الشوارع المؤدية إليه، ويتجاوز عدد المصلين المليون شخص كلّ عيد تستمع لابتهالات الشيخ سيد النقشبندي وإنشاد الشيخ ياسين التهامي حتّى يرفع المؤذن الأذان: الله أكبر الله أكبر، فيتحول الكون كلّه لمستمعين لهذا النداء السماوي الجليل.

عجائز أتين من أقصى الصعيد حملن بضع قروش يوزعنها وفاء لنذر تحقّق، سيدات يتعلّقن بأستار الضريح راجيات تحقيق أملهن في إنجاب طفل حرمن منه، أو عودة ابن غريب اضطرته الحياة الصعبة للرحيل في بلاد الله، وثمة رجل طاعن في السن يذرف دمعة حرّى وهو يناجي صاحب الضريح قضاء حاجة يعلمها الله وحده.

يتعامل الناس هنا في مصر مع الحسين كأنّه مازال حياً داخل الضريح.

يتحاكمون إليه في منازعاتهم…

بعضهم يرسل إليه خطابات عبر البريد وصلت خلال العام الماضي إلى أكثر من مليون رسالة كما أكدت هيئة البريد المصرية التي تسلمها لخدام الضريح.

المرسل:…

المرسل إليه: حضرة الإمام سيد شهداء الجنة الحسين بن علي رضوان الله عليهما وصلاته .

العنوان: القاهرة مسجد الإمام الحسين .

رائحة العطور تغمر أنوف زوار الضريح، وأنوار لا تنطفئ ولم تنطفئ منذ قرون وجلال لا يضاهيه حتّى ضريح السيدة زينب التي يحلو للمصريين إطلاق عدة ألقاب عليها، منها «أم العواجز» و «رئيسة الديوان» و «الطاهرة».

في المسافة الممتدة بين الضريحين تقع أجمل وأبهى أحياء القاهرة. الدرب الأحمر.. القلعة.. الحسينية.. باب الخلق.. باب النصر.. باب الفتوح.. الباطنية.. الجمالية.. الكحكيين.. المغربلين.. الخ.

لأهل البيت في مصر منزلة لا يشعر بها إلاّ من يعرف المصريين جيداً، فحينما حاول بعض المتطرفين ذات يوم تفجير قنبلة في منطقة الحسين «خان الخليلي» لم يسلمهم الناس للشرطة، بل فتكوا بهم، فحينما وصلت قوات الأمن لم تجد سوى جثت هامدة، ولم يزل الفاعل مجهولاً حتّى اليوم، فقد تفرقت دماؤهم بين القبائل.

ماهو تعليق المرجع الديني آية الله العظمى الصافي مد ظله على موضوع الدكتور نبيل شرف الدين؟

ج.

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد الحمد والصلوة،

فإني لا أقدر على وصف ما حصل لي من الوجد والشوق، والإحساس بالقرب والحضور، والجلوس على بساط المحبة والأُنس والخشوع لله تعالى. عند ما طالعت ما كتبه بعض الأدباء العارفين عن الحالات العطرة والروحانية القدسية، التي تحصل لزوار مشهد مولانا سيد أهل الإباء، وواحد أهل المباهلة والعباء، أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، في مصر، القطعة الشريفة من وطننا الإسلامي الكبير، التي حازت شرف ولاء أهل البيت(عليهم السلام)من أوّل ما أشرق عليها نور شمس الدعوة المحمدية والرسالة الإلهية.

لقد كررت مطالعة هذا التصوير الجميل لمظاهر الولاء ومحبة النبي والآل صلوات الله عليهم، والاجتماعات والاحتفالات والحلقات في مشاهدهم النورانية، العامرة بذكر الله تعالى وعبوديته.

إنّ مشهد الإمام الحسين (عليه السلام)، من البيوت التي إذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، بل هو من أفاضلها كما رواه السيوطي، ولو لمن يكن بيت علي وفاطمة الزهراء وسيدي شباب أهل الجنة، بعد بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أفضل تلك البيوت، فبيت من يكون؟!

وجدت نفسي بعد قراءة هذا المقال مفعمة شوقاً وحضوراً بالله تعالى، ورغبةً في زيارة هذا الضريح الشريف والمشهد الجليل، الذي تسطع منه أنوار الجمال المحمدي والجلال العلوي، المشعة من جلال الله تعالى وجماله الأزلي السرمدي.

وهي معان يدركها ويشعر بها من يدرك بحقيقة إيمانه بالله ورسوله ما لهذه المشاهد المرفوعة التي تخدمها ملائكة الله تعالى، من قدر عند الله تعالى ورسوله.

وجدت نفسي كأنّي في مصر، في جوار الضريح الشريف والحضرة الحسينية، بين إخواني الزائرين المصريين الوالهين، الموالين لأهل البيت(عليهم السلام)، وهم يتبرّكون بالمقام ويغتنمون الفوز فيه بالصلاة والابتهال ومناجاة الله تعالى، يطلبون حاجاتهم من ربهم عنده، ويصلّون على النبي، وعلى شهيد الإخلاص والإباء، شهيد معالم الإنسانية الكبرى، شهيد كل المكارم، أبي عبد الله الحسين، حسين التضحية والجهاد والإيثار، حسين الصبر والشجاعة، حسين الإسلام والإنسانية.

اللهم كحّل بصري بمشاهدة تراب ضريحة في مصر وكربلاء.

نعم، وجدت نفسي في هذه البقعة المباركة التي شرفها الله تعالى بكرامة الانتساب إلى سبط النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فرأيت بعين قلبي ملائكة الله تعالى محدقين بها.

فهنيئاً لزوار تلك البقعة المباركة، طور تقرب أولياء الله، ومهبط ملائكة الله.

وهنيئاً لإخواننا أهل مصر ما هم فيه من جوار ضريح سيد شباب أهل الجنة.

هنيئاً لهم هذا الفوز العظيم. ثم هنيئاً لهم ما هم فيه من ولاء أهل البيت(عليهم السلام).

هنيئاً لهم جميعاً.. لشيوخهم وشبابهم، رجالهم ونسائهم، علمائهم وتلاميذهم، أساتيذهم وطلاب جامعاتهم. فيا ليتنا معهم فنفوز بما يفوزون به عند هذا الضريح المبارك.

ويا مولاي يا حسين، يا أبا عبد الله، يا بن رسول الله، يا من استنقذت عباد الله بتضحيتكم الكبرى، من جهالة الضلالة. أشهد أنّك رفعت أعلام الدين، وكسرت صولة المستكبرين والمستعبدين، ونصرت الله ورسوله، مجاهداً صابراً. وأشهد أنّ الله يحب من أحبك، ويبغض من أبغضك، وأن الله طهركم يا أهل البيت من الرجس تطهيراً.

شاهد أيضاً

عِللُ الغيبة و فلسفتها

«اللّهمّ عرّفني حُجّتك، فإنّك إنّ لم تُعرّفني حُجّتك ضَلَلْتُ عن ديني»لا نعرف شيئاً بعد معرفة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.